ما يميز أسواق العملات الرقمية عن غيرها من الأصول القابلة للتداول أهمية العامل النفسي، وذلك خصوصاً بسبب النسبة العالية التي تحتويها من المستثمرين الأفراد، أو ما يعرف باسم “متداولي التجزئة”، ويلعب الهلع والخوف من تفويت الفرص وغيرها من الدوافع النفسية دوراً أكبر في أسواق العملات الرقمية مما هي عليه مع الأسهم مثلاً، وذلك مقارنة بالعوامل الأخرى الأكثر العقلانية مثل أبحاث السوق والتحاليل التقنية.
حين تدخل مجال العملات الرقمية، من الضروري أن تفهم تأثير العوامل النفسية، وخصوصاً ما يعرف في مجالات التداول باسم “المستويات النفسية”، وهي المساحة التي تتقاطع فيها طبيعة أسواق التداول مع الطبيعة البشرية.
ما هي المستويات النفسية؟
ببساطة، المستويات النفسية هي الأسعار التي يرى المشاركون في التداول أنها منطقية، أو بمعنى الأرقام المدوّرة التي تعبر عما يراه المتداولون قيمة عادلة لأحد الأصول الاستثمارية. عادة ما يكون سعر أي عملة رقمية أو سهم أو غيرها من أصول التداول رقماً معقداً كثير الأجزاء العشرية، ولكن الأسهل لنا كبشر، مع حبنا للتبسيط، التفكير بأقرب رقم مدوّر لهذه القيمة بوصفها القيمة المنطقية لما نتداوله.
بسبب هذا الأمر، يضع الكثير من المتداولين طلبات تداولهم الآجلة ويبنون استراتيجياتهم قصيرة الأمد على أرقام مدوّرة، ما يؤدي لتذبذب الأسعار بين هذه الأرقام كذلك.
فلنجرب تطبيق هذه الفكرة بشكل عملي عبر سؤال بسيط: ما هو أعلى سعر وصلت إليه البيتكوين؟
أغلب الظن أنك تفكّر بسعر 68,000 دولار، ولكن في الواقع السعر الذي وصلت إليه وفقاً لعدة مصادر هو 68,789 دولار. هذا الرقم فعلياً أقرب إلى 69,000 دولار، وهو ما يتذكره كثيرون أيضاً، ولكن كسر حاجز 68,000 دولار كان الحدث الذي علق في ذاكرتنا ولفت انتباه الجمهور ووسائل الإعلام، وهذه الحماسة هي غالباً ما تسبب بارتفاع السعر فوق 68 ألف بمقدار 789 دولار.
الدعم والمقاومة
المستويان النفسيان اللذان تسمع بهما معظم الوقت غالباً، واللذان لا بد لك من معرفتهما كذلك، هما مستويا المقاومة والدعم. مستوى الدعم هو الرقم الذي يميل سعر العملة الرقمية للبقاء فوقه، أي القيمة التي “يدعمها” السوق ويرى أن سعر الأصل الاستثماري لا يجوز أن يكون أقل منها، وعلى الجانب الآخر، مستوى المقاومة هو الرقم الذي يميل سعر العملة الرقمية للبقاء تحته، وذلك لأن السوق – أو المشترين تحديداً – يقاومون القبول بدفع رقم أعلى منه.
على الرغم من أن المستويات النفسية عادةً ما تكون قريبة من أرقام مدورة، من النادر أن يستقر السعر على هذا الرقم المدوّر ويثبت، ولذلك حين تنظر إلى المخططات البيانية يمكنك أن ترى أن الأسعار تخترق مستويات الدعم والمقاومة في حالات فردية، ولكنها عادة ما تعود للدخول ضمن نطاق الدعم-المقاومة.
على سبيل المثال، ابتداءً من منتصف يوليو وحتى منتصف أغسطس الماضيين، شهد سعر عملة إيثريوم عدة مكاسب، مدفوعة خصوصاً بأخبار اقتراب ترقية “الاندماج” (The Merge)، وتعافي سوق العملات الرقمية عموماً. وكما يمكنك أن ترى في الصورة أدناه، فإن ارتفاع سعرها لم يحصل عبر الوصول لسعر أعلى والثبات عنده، إنما عبر ارتفاع المجال الذي كان السعر يتذبذب ضمنه.
بين 13 و16 يوليو انخفض سعر إيثريوم لما دون مستوى الدعم 1,000 دولار مرة واحدة لفترة قصيرة، ولكنه ظل تحت مستوى المقاومة 1,300 دولار طوال هذه الفترة، إلى أن كسر هذا المستوى وتحوّل مستوى 1,300 دولار من مقاومة إلى دعم، مع مستوى مقاومة جديد بلغ 1,600 دولار، ثم ارتفعت هذه النطاقات بين الدعم والمقاومة من جديد من 1,300-1,600 دولار إلى 1,600-1,800 دولار وأخيراً إلى 1,800-2,000 دولار.
ولكن هذه حالة إيثريوم… قبل الاندماج. حين تكون السوق أقل تقلباً، تميل هذه الأسعار لتكون مدوّرة بشكل أقل، وفي الأيام الأكثر هدوءاً قد يكون نطاق الدعم-المقاومة بالنسبة لإيثريوم 1,650-1,775 دولار مثلاً، ولكن حين يزيد التقلب في الأسواق، يميل المتداولون للمزيد من التفاؤل أو التشاؤم، وبالتالي يتوقعون كسر حواجز أكبر في منازل المئات أو الآلاف، ما يجعل المجال التغيرات السعرية أوسع، وأرقام الدعم والمقاومة أكثر اكتمالاً مع صفر أو صفرين أو حتى ثلاثة أصفار في نهايتها.
كيف تستفيد من المستويات النفسية؟
تعد مستويات الدعم والمقاومة مفيدة خصوصاً كخطوط إرشادية في حالات هدوء السوق وقلة تقلبها، وحين تكون حركات الأسعار محصورة بهوامش محدودة. بالنسبة لمن يتداولون بشكل يومي بحثاً عن هوامش أرباح ضئيلة، تساعدهم هذه المستويات على رصد التغيرات المتوقعة خلال ساعات قليلة، ويستخدمونها كنقاط دخول وخروج محتملة.
إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أو هبوط سعر أي عملة رقمية عادة يتم عبر الانتقال من نطاق دعم-مقاومة إلى نطاق آخر، مع تحوّل مستوى المقاومة السابق – غالباً وليس دائماً – إلى مستوى الدعم الجديد.
وكذلك من الاستخدامات المفيدة للمستويات النفسية الحصول على مؤشرات على احتمالات ارتفاع الأسعار أو هبوطها، والتي غالباً ما يسبقها خروج متكرر عن هذه المستويات.
يمكنك استخدام المستويات النفسية خلال الفترات الهادئة، ولكنها لا تشكل ضمانة لاستقرار الأسعار. يمكنك استخدامها لفهم تحرّكات الأسواق الأخيرة، ولكن قرارات التداول التي تتخذها يجب أن تُبنى دائماً على أبحاثك الخاصة، وفهمك للمشاريع التي تستثمر فيها.