إثبات العمل × إثبات الحصة: أيهما أفضل؟

تعد آليات أو خوارزميات الإجماع العمود الفقري لأي شبكة بلوك تشين، إذ تضمن صلاحية وأمان كل المعاملات على البلوك تشين، ولكن الأهم أن هذه العمليات هي ما يضمن استمرار عمل أي بلوك تشين.

تنبع الحاجة لهذه الآليات من عدم وجود سلطة مركزية تؤكد الأرصدة والمعاملات المجراة على البلوك تشين. على سبيل المثال، حين نرسل نقوداً من حساب بنكي إلى حساب آخر، نقوم بذلك بناءً على ثقتنا بسجلات البنك، وأنه لن يسمح لعميله بإجراء عملية تحويل تبلغ قيمتها أكثر من رصيده، أو إرسال ذات المبلغ من المال لحسابين مختلفين.

أما بالنسبة للبلوك تشين، فيتم استبدال هذا الوسيط بآلية تتيح لأعضاء الشبكة تولي مهمة تأكيد صحة المعاملات والنسخ الجديدة من السجلات، أو الكتل. بمعنى أن هذه الآليات تضمن وجود إجماع على تحديد الكتل الصحيحة والكتل الزائفة، ولهذا نسميها آليات إجماع.

توجد مئات الأنواع من آليات الإجماع، ولكن هناك نوعان هما الأكثر انتشاراً واكتساباً للثقة: إثبات العمل وإثبات الحصة.

إثبات العمل (PoW)

تتطلب آلية إثبات العمل (Proof of Work) من المسؤولين عن التصديق أو المعدّنين حل مسائل رياضية معقدة ليتمكنوا من إضافة كتل جديدة إلى البلوك تشين. تُعرف هذه العملية باسم التعدين، وتتطلب قوة حاسوبية كبيرة. ويحصل المعدّنون الذين يحلون المسائل الرياضية قبل الآخرين على مكافآت بالعملة الرقمية مقابل جهودهم، سواءً أكانت عملات جديدة أو الأجور التي يدفعها المستخدمون مقابل تنفيذ معاملاتهم.

يتمثل المبدأ الأساسي لآلية إثبات العمل في أن القوة الحاسوبية التي سينفقها المسؤولون عن التصديق – والتي على أي هجمة محتملة مضاهاتها – ستكون كبيرة بما يكفي لجعل أي هجوم غير مربح إن لم يكن شبه مستحيل. تستخدم بيتكوين ومعظم مشاريع العملات الرقمية المبكرة هذه الآلية.

إثبات الحصة (PoS)

تتبع آلية إثبات الحصة (Proof of Stake) نهجاً مختلفاً، إذ تعتمد على نقل مسؤولية تصديق المعاملات والكتل الجديدة إلى من يملكون مبلغاً معيناً من العملة الرقمية. في هذه الحالة سيكون على المستخدمين إيداع أو “تحصيص” (Staking) عملاتهم في العقد الذكي المخصص لعملية التعدين. وهكذا سيكون من مصلحة المستخدمين المسؤولين عن التصديق الحفاظ على نزاهة وأمان البلوك تشين للحفاظ على قيمة أصولهم.

كما توجد نسخة أخرى واسعة الانتشار تعرف باسم “إثبات الحصة المفوض” (Delegated Proof of Stake أو DPoS)، والتي تتيح للمستخدمين استخدام أصولهم لاختيار مستخدمين مفوضين يتولون عملية التصديق.

يتم استخدام إثبات الحصة من قبل الكثير من مشاريع العملات الرقمية الكبرى، بما فيها عملة ريبل إكس آر بي وكاردانو وبولكادوت، إضافة إلى إيثريوم – ثاني أكبر بلوك تشين – والتي انتقلت من إثبات العمل إلى إثبات الحصة في سبتمبر 2022.

أيهما أفضل؟

كل من إثبات العمل وإثبات الحصة تضمن أمان شبكات البلوك تشين، ولكن هناك بعض الفروق التقنية التي تجعل مختلف المشاريع تفضل إحدى الآليتين على الأخرى.

أنصار إثبات العمل يرون أنها أكثر أماناً من إثبات الحصة، إذ تتطلب معدات وطاقة ملموسة لإتمام عملية التصديق، ما يزيد من التكاليف بشكل كبير على أي مهاجمين محتملين، بعكس إثبات الحصة التي قد تواجه ما يعرف باسم “هجمات الحوكمة” (governance attacks)، والتي تحصل حين يستطيع منفذ الهجمات الاستحواذ على قوة تصويت كافية للتلاعب بالبلوك تشين أو تمرير تغييرات في قواعد عملها.

في المقابل، يرى مؤيدو إثبات الحصة أن آلية إثبات العمل غير مستدامة، إذ تستهلك قدراً هائلاً من الطاقة، وتنتج الكثير من النفايات الإلكترونية المؤلفة من الأجهزة القديمة المستخدمة في التعدين، وتتطلب الكثير من الموارد للحفاظ على استمرار عمل البلوك تشين.

لكل من خوارزميتي إثبات العمل وإثبات الحصة ميزاتها الفريدة الملائمة لمختلف أنواع البلوك تشين، وفيما تلقى خوارزمية إثبات العمل رواجاً لناحية الأمان، فقد اكتسبت إثبات الحصة رواجاً أيضاً نظراً لكفاءتها في استهلاك الطاقة، وفي المحصلة فإن اختيار خوارزمية الإجماع يعتمد إلى حد كبير على أهداف وحاجات كل بلوك تشين، والمعايير التي يتم تطبيقها تكون خاصة بكل حالة على حدة.

More